الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
من المنتسبين إلى السنة وأتباع السلف. وحقيقة مذهبهم أن ما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من نصوص الصفات ألفاظ مجهولة لا يعرف معناها حتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتكلم بأحاديث الصفات ولا يعرف معناها. ثم هم مع ذلك يقولون: ليس للعقل مدخل في باب الصفات. فيلزم على قولهم أن لا يكون عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه وأئمة السلف في هذا الباب علوم عقلية ولا سمعية وهذا من أبطل الأقوال. وطريقتهم في نصوص الصفات إمرار لفظها مع تفويض معناها ومنهم من يتناقض فيقول: تُجرى على ظاهرها مع أن لها تأويلًا يخالفه لا يعلمه إلا الله. وهذا ظاهر التناقض فإنه إذا كان المقصود بها التأويل الذي يخالف الظاهر وهو لا يعلمه إلا الله فكيف يمكن إجراؤها على ظاهرها؟ وقد قال الشيخ رحمه الله عن طريقة هؤلاء في كتاب (العقل والنقل) ص 121 ج1: "فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد" ا هـ. والشبهة التي احتج بها أهل التجهيل هي وقف أكثر السلف على {إلا الله} من قوله تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} [آل عمران:7 ]. وقد بنوا شبهتهم على مقدمتين: الأولى: أن آيات الصفات من المتشابهة. الثانية: أن التأويل المذكور في الآية: هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى المعنى الذي يخالف الظاهر فتكون النتيجة أن لآيات الصفات معنى يخالف ظاهرها لا يعلمه إلا الله. والرد عليهم من وجوه: الأول: أن نسألهم ماذا يريدون بالتشابه الذي أطلقوه على آيات الصفات. أيريدون اشتباه المعنى وخفاءه، أم يريدون اشتباه الحقيقة وخفاءها؟ فإن أرادوا المعنى الأول وهو مرادهم فليست آيات الصفات منه لأنها ظاهره المعنى، وإن أرادوا المعنى الثاني فآيات الصفات منه لأنه لا يعلم حقيقتها وكيفيتها إلا الله تعالى:. وبهذا عرف أنه لا يصح إطلاق التشابه على آيات الصفات بل لابد من التفصيل السابق. الثاني: أن قولهم: "إن التأويل المذكور في الآية هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى المعنى الذي يخالف الظاهر" غير صحيح ، فإن هذا المعنى للتأويل اصطلاح حادث لم يعرفه العرب والصحابة الذين نزل القرآن بلغتهم، وإنما المعروف عندهم أن التأويل يراد به معنيان: إما التفسير ويكون التأويل على هذا معلومًا لأولي العلم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله" وعليه يحمل وقف كثير من السلف على قوله تعالى: {والراسخون في العلم} [آل عمران:7] من الآية السابقة. وإما حقيقة الشيء ومآله وعلى هذا يكون تأويل ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر غير معلوم لنا، لأن ذلك هو الحقيقة والكيفية التي هو عليها وهو مجهول لنا كما قاله مالك وغيره في الاستواء وغيره، وعليه يحمل وقف جمهور السلف على قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله} [آل عمران: 7]. من الآية السابقة. الوجه الثالث: أن الله أنزل القرآن للتدبر، وحثنا على تدبره كله ولم يستثن آيات الصفات، والحث على تدبره يقتضي أنه يمكن الوصول إلى معناه وإلا لم يكن للحث على تدبره معنى، لأن الحث على شيء لا يمكن الوصول إليه لغو من القول ينزه كلام الله وكلام رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنه، وهذا - أعني الحث على تدبره كله من غير استثناء- يدل على أن لآيات الصفات معنى يمكن الوصول إليه بالتدبر، وأقرب الناس إلى فهم ذلك المعنى هو النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه، لأن القرآن نزل بلغتهم، ولأنهم أسرع الناس إلى امتثال الحث على التدبر خصوصًا فيما هو أهم مقاصد الدين. وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهما كانوا إذا تعلموا من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عشر آيات لا يتجاوزونها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، قال: فتعلمنا القرآن، والعلم، والعمل جميعًا. فكيف يجوز مع هذا أن يكونوا جاهلين بمعاني نصوص الصفات التي هي أهم شيء في الدين؟! الرابع: إن قولهم يستلزم أن يكون الله قد أنزل في كتابه المبين ألفاظًا جوفاء لا يبين بها الحق، وإنما هي بمنزلة الحروف الهجائية والأبجدية، وهذا ينافي حكمة الله التي أنزل الله الكتاب وأرسل الرسول من أجلها. تنبيه: علم مما سبق أن معاني التأويل ثلاثة: أحدها: التفسير وهو إيضاح المعنى وبيانه، وهذا اصطلاح جمهور المفسرين ومنه قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لابن عباس: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل). وهذا معلوم عند العلماء في آيات الصفات وغيرها. الثاني: الحقيقة التي يؤول الشيء إليها، وهذا هو المعروف من معنى التأويل في الكتاب والسنة كما قال تعالى: {هل ينظرون إلا تأويله} [الأعراف: 53]. {ذلك خير وأحسن تأويلًا} [الإسراء: 35]. فتأويل آيات الصفات بهذا المعنى هو الكنه والحقيقة التي هي عليها، وهذا لا يعلمه إلا الله. الثالث: صرف اللفظ عن ظاهره إلى المعنى الذي يخالف الظاهر وهو اصطلاح المتأخرين من المتكلمين وغيرهم. وهذا نوعان: صحيح وفاسد: فالصحيح: ما دل الدليل عليه مثل تأويل قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98]. إلى أن المعنى إذا أردت أن تقرأ. والفاسد: ما لا دليل عليه كتأويل استواء الله على عرشه باستيلائه ويده بقوته ونعمته ونحو ذلك.
|